كَيْفَ نُرَبِّي أَبْنَاءَنَا تَرْبِيَةً حَسَنَةً؟
قال الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم : "مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى ٱلفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ".
ومن هذا المنطلق الذي يتحدث عنه رسول الهدى الذي لا ينطق عن الهوى أبدا، يتبين أن الطفل يولد كصفحة بيضاء نقية وطاهرة، والأبوان هما اللذان يحددان الإطار العام للكتابة على هذه الصفحة، فإذا كانا مسلمين لا بد وأن ينشأ الطفل على سجية الإسلام ويكبر على ملة الإسلام ويترعرع في بيت مسلم ليتلقى تربية إسلامية. وهو يكتسب المبادئ الأولى لنفسه فقط عبر الملاحظة حيث يشاهد كل أفعال والديه ويسجلها في ذهنه قبل أن يكتمل وعيه الإدراكي.
وعندما يقضي الطفل سنواته الأولى يبدأ بتتبع تصرفات والديه، فلا شك أنه يراقب الأب والأم وهما يؤديان الصلوات، ويراقب الأبوين وهما يتلوان القرآن الكريم ويستمعان إليه في كل وقت، لا شك أنه يراقب ويستمع إلى القنوات التي يتابعها الوالدان في كل وقت. فإذا صلحت تلك القنوات وصلح محتواها المرئي والمسموع صلحت تنشئة الطفل وخزن في عقله كل شيء جميل ليجد -عندما يبدأ إدراكه- أنه يحمل حمولة معرفية جيدة، وبالتالي يحب ذلك ويبحث فيه أكثر ويجد أنه قد تم توجيه توجيها ضمنيا وصريحا في الآن ذاته.
إن الطفل في بداية حياته، لا يأبه بالتوجيهات الكلامية والأقوال بقدر ما يعمل على تقليد المحيطين به، فالطفل مهما حدثته عن الصلاة وأهمية الصلاة وأوقات الصلاة وضرورة الالتزام بها فلن يهتم بذلك بقدر ما سيهتم به إذا كان المتحدث -أبا كان أو أما أو أخا- يطبق ذلك أمام عينيه ويحفزه ليفعل هو الآخر الشيء ذاته ويدعه يخطئ ويخطئ ويخطئ ليتعلم، فلا يوبخه أبدا في بداية تعلمه ولا ينهره وينهاه إذا فعل فعلا ناقصا وإنما يبتسم في وجهه ويوجهه توجيها إجرائيا ويطبق ذاك التوجيه أمام ناظريه مرارا وتكرارا ليكتسب ذلك. فالطفل إذا تربى على سماع القرآن الكريم سيحبه ويملأ قلبه لا محالة، وسيحفظ سور عديدة وآيات كثيرة فقط في مراحله الأولى عبر الاستماع. وإذا تربى وهو يرى أمه وأباه يؤديان الصلاة فلا شك أنه سيمسك السجادة من تلقاء نفسه ويقلدهما أو يجلس أمامهما أثناء الصلاة ويفعل نفس الحركات، فلا ينبغي حينها أن ينزعج منه أبواه لأن الطفل الذي تنهره في ذاك الوقت وهو صبي ستترجاه وتطلبه كي يصلي وهو شاب.
وكل زاد عمر الطفل زادت التوجيهات وطرق التنشئة، فعندما يجاوز الطفل أربع سنوات يجب أن نحببه في كل شيء جيد، أن نشتري له مصحفا صغير وسجادة صغيرة ونعلمه أناشيد تربوية ومبادئ حياتية عامة وأحاديث بسيطة، ونعمل على تحفيظه سور قصيرة من القرآن الكريم آية بعد آية، وأن نتحدث معه باللغة الأم لكي يكتسب المفردات والعبارات التي تطور قدراته التواصلية. وبعد هذه المرحلة بالضبط، يجب أم نكسب الطفل قيمة "القدوة والإسوة"، فالطفل عندما يكون صغير يحاول أن يقلد أبواه، ويجب أن يفعلا كل شيء جيد أمامه لكي ينشأ تنشئة سليمة، ويتجنبا كل صراع أو خصام كيفما كان نوعه وموضوعه وحدته أمام الطفل. وينبغي أن نحدثه باستمرار عن الرسول صلى الله عليه وسلم (أمثلة: أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن نسمي الله عندما نأكل، أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن نأكل باليد اليمنى، أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن نقول السلام عليكم، أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن نحترم الكبار...)، وهذا نحبب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الطفل، وقولا بعد قول، يصبح هو يردد ذلك ويحفظ الأحاديث، ويعتبر الرسول بمثابة قدوة له يتبع أوامره ويجتنب نواهيه.
وعندما يأتي وقت المدرسة، علينا ألا نغفل أبدا على الطفل، وأن نراقبه باستمرار ونراقب تعلماته ونوجهه ونعزز مكتسابته، ونضع له برنامجا دراسة في البيت في أوقات يحبها هو ويرضاها ولا يحس بالضغط النفسي، وأن نضع له برنامجا لحفظ القرآن الكريم وتعلم السيرة النبوية الشريفة، وحبذا لو احتفلنا به بعد حفظه لحل سورة أو حزب أو جزء لتزداد حافزيته للحفظ والتعلم. وهكذا تتكامل دراسته في البيت مع دراسته في المدرسة، لأن البيت والأسرة هي المدرسة الأولى والموجه الأول والأساس الذي يعتمد عليه أي مستقبل للطفل.
هكذا فقط يمكن أن نطمئن على تنشئة أبنائنا وبنياتنا. علينا أن نضحي معهم بالغالي والنفيس، بالجهد والوقت، لأنهم أمانتنا ويجب أن نحسن بهم ليحسنوا بنا، أن ننبتهم نباتا حسنا لينبتوا هم أيضا نباتا حسنا، ولا أن نلد ونخرجهم للشارع ليتعلموا كل فعل خبيث ويتلقوا تربية الشارع التي تغوص بهم في مستنقعات الرذيلة والانحلال الأخلاقي. يجب أن نحسن تربية أبنائنا ونكسبهم كل الخصال الحميدة التي ينبني عليها الدين الإسلامي ومنظومة القيم الإنسانية.
ونسأل الله أن يصلح الراعي والرعية.
نبيل السرغيني
مقال مفيد يستحق القراءة جزاك الله خيرا الجزاء
ردحذفموضوع رائع! ما أحوجنا لمدونات هادفه مثل هذه. ❤️
ردحذفشكرا جزيلا على هذه المواضيع الهادفة ، أحسنتم النشر 😍
ردحذفأبدعتَ فأفدتَ
ردحذفكل الشكر لكَ، و كل التوفيق والسداد 🥰
هذا من جمال منظورك ورونق رؤيتك.
حذفرأيك هذا يعني كل شيء 🥰🥰🥰