رَاحَةُ ٱلْبَالِ وَطِيبُ ٱلنَّفْسِ
أَرِيحُوا بِٱلْوُدِّ نُفُوسَكُمْ فَإِنَّ ٱلنُّفُوسَ حِينَ تَوَدُّ تُنَارُ
إن النفس لا تجد راحة ولا هناء إلا حينما تقتنع بأنه لا ضار ولا نافع غير الله جل وعلا. فإذا امتلأت النفس بهذه القناعة الأصيلة والحتمية الجميلة والحقيقة المطلقة الجليلة سمت وارتاحت وزكت وترفعت عن كل شعور رديء وإحساس دنيء. وسمو النفس لا يتحقق إلا بمكارم الأخلاق، ومكارم الأخلاق ترقى بالنفس إلى درجات عليا من السمو والحسن والطهارة وتدرء كل الخصال المذمومة والمشئومة التي توقع النفس في دركات الرذيلة والفسوق والخبث.
فحينما تبتعد الإنسان عن الحسد الذي يعد من أضر نواقض المودة والمحبة والأخوة والصداقة والقرابة، ويقتنع أن حب الخير للآخر هو سبيل من سبل اكتمال إيمان المرء، ويعلم يقينا أن الله يرزق من يشاء بغير حساب، حينها فقط تمتلئ روحه بالمحبة ولا يبحث عن النقائص، وإنما ينعم بكل ما أنعم الله به عليه. إن الحسد نار، والنار تهلك صاحبها، وتأكله من الدار وتأتي على كل أمر إيجابي وشعور حسن يملأ داخله. فإذا لم يخمد هذه النار بالرضا بما كتب الله له، والقناعة بأنه هو الرزاق الوهاب، وحب الخير للغير كحبه الخير لذاته دون نقصان، فإن هذه النار ستجعل داخله كالصريم وتملأه سوداوية وتشاؤما وحقدا.
إن راحة البال ومشاعر الكراهية والحقد والضغينة لا يلتقيان أبدا، فهل ينتظر المرء أن يكون نومه هنيئا مريئا وقلبه مليء بهذه المشاعر المذمومة التي تفسد كل جميل وتقطع كل سبيل وتغيب كل أمر جليل وتظهر كل فعل ذليل؟ هل ينتظر هذا فعلا وهو على هذه الحالة وهو يعلم أنه قد لا تشرق عليه شمس يوم آخر؟ إن راحة البال لا تشترى بأموال، وإنما تتحقق بطيب الأقوال وجميل الأفعال، تتحقق بتطهير الصدور والخواطر، وتزكية النفوس والسرائر.
فما أجمل أن ينام المرء وقد طهر قلبه من كل حقد مُضْمَرٍ، وأبعد عنه كل شر مُقْبَرٍ، ودرء عنه كل حسدٍ مُكَدِّرٍ! ما أحلى أن ينام وقد ملأ قلبه بخير مثمرٍ، وتطلع لغد جميل مبصرٍ، ونام بوجه ضاحك مستبشرٍ! فالإنسان إذا صلحت سريرته صلح كل عمله، وإذا صلح عمله أحياه الله حياة طيبة وجزاه بأحسن ما يعمل، وما كان الله ليخلف وعده أبدا. ومنه فإن حب الخير للناس مبدأ أصيل ومدخل أساس لتحقيق راحة البال، فإذا ابتسم المرء في وجه الكل، وتقبل الكل بصدر رحب، وأحب أن يرى الناس ينعمون في خيرات الله، وطابت نفسه كلما رأى السعادة تغمر الناس صغارا أو كبارا، شيبا أو شبابا، نساء أو رجالا، حينها فقط يحبه ويلقي محبته في قلوب الناس أجمعين.
وإن المرء بكل بهذا يمتثل امتثالا جميلا لأوامر الله ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه رب العزة في سورة القلم : {{وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}}، وهو قدوة كل المسلمين وإسوتهم الحسنة، وهو الذي قال : «إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ ٱلْأَخْلَاقِ». فكيف لا ينعم الله على المرء الممتثل لأوامره بهناء البال وصفاء الروح وبهاء النفس ونعماء الذات وجلاء الأحزان وشفاء الأسقام؟ كيف لا يحييه الله حياة فيها رغد الأحوال وطيب المآل وجلاء الأهوال؟
ونسأل الله أن يهدينا ويثبتنا وينعم علينا بهناء البال وطيب الحال، إنه سميع مجيب.
نبيل السرغيني
أنعم الله عليكَ بالراحة و الطمأنينة و الهناء دائما 🙏🥰🙏
ردحذفمقال يستحق القراءة ، دمت مبدعا نبيل 🤲💜
ردحذفإبداع رائع، جزاك الله خيرا
ردحذفدمت متألقا ❤
لا تكتمل الحياة ولا يجد المرء طيبتها إلا بالابتعاد عن أدران النفوس والقلوب ولنا في ديننا وفي حياة نبينا صلوات ربي عليه ما يشفي غليلنا ويزكي سريرتنا.
ردحذفأخي نبيل اكتمل مقالك بالاقتباس من القرآن والسنة وفقك الله وسدد خطاك